طول عمري مش بحب الموت، مش بخاف منه بس مش بحبه. يمكن لإنه مرتبط عندي بالفراق والبُعد والسفر اللي أنا فعلا بكرههم. يمكن لإنه دائما بيفكرني إن الحياة أتفه من حجمها وممكن في لحظة تتحرم من فرصة إنك تقول كلام كثير كنت بتأجله لبكرة.
أول احتكاك ليا به هو لحظة موت جدتي الله يرحمها. كان عندي 8 أو 9 سنين وكنا معاها في نفس الأوضة معتقدين إنها نامت فكنا بنكتفي إننا نتابع المحلول اللي متركب لها من غير ما نعمل صوت عشان متصحاش لإنها كانت بتنام بصعوبة. وبعد ساعة أو اثنين اكتشفنا إنها اتوفت. فاكرة إني يومها مكنتش فاهمة معني جملة "تيتة ماتت". تيتة كانت عايشة من شوية لما فطرنا ولما اتغدينا فيعني إيه دلوقتي ماتت!
خلال آخر خمس السنين، الموت كان ضيف في بيوت كثير في دائرة معارفي، أو يمكن أنا اللي بقيت واعية أكثر لوجوده ونتائج زيارته. شفت إزاي الناس بتعافر عشان ترجع لحياة شبه طبيعية، وشفت معني إن الموت أحيانا بيبقي فراق جسد بس مش روح، وشفت ندم ناس أكثر علي كلام متقالش أو أحداث إتاجلت لحد ما فات ميعادها. ومع كل زيارة جديدة له بتمني إنه لما أقابله تاني مبقاش مكان الناس الندمانة دي بأي شكل من الأشكال.
أنا طول عمري مكنتش بعرف أحافظ علي علاقات طويلة الا إذا الظروف هي اللي حكمت إن العلاقة تفضل موجودة. عمري ما عرفت أعمل مجهود عشان أحافظ علي أي علاقة في حياتي. صحيح ليا أصدقاء بحبهم جدا من سن الحضانة أو المدرسة لحد دلوقتي بس لما فكرت لقيت إن العلاقات دي لم تستمر بسبب مجهود مني في الحفاظ عليها، لكن الظروف دائما هي اللي كانت بتجمعنا تاني وتقرب ما بينا تاني زي برضه ما الظروف كانت سبب في انتهاء علاقات تانية في ثانوي وكلية.
فرغم كرهي للفراق في صورته المؤقتة (البُعد والسفر) أو في صورته الدائمة (الموت) لكن أنا مدينة له إنه أجبرني بزياراته المتكررة علي بذل مجهود أكبر في حياتي عموما.
إنه علمني بقسوة ان اسوء وقت تقدر تسامح فيه حد هو وقت دفنه.
إنه علمني إني مأجلش سؤال محتاجة أعرف إجابته عشان الواحد ممكن يعيش سنين بيدورعلي إجابة أسئلة الوحيد اللي يقدر يجاوب عليها مبقاش موجود معانا.
إنه علمني إن الدنيا مش واقفة علي حد لكن عمرها ما بتكمل زي ما كانت.
إنه علمني ابدأ أعبر عن مشاعري واهتم بشكل أكبر واتمسك بعلاقاتي مع الناس لأقصى مدي، رغم إن الإهتمام الزيادة ده بيخلق عبء في العلاقات القريبة لكن بالنسبة لي ده وضع أحسن كثير من الندم بعد الفراق.
وبرغم تكرار حدوثه في حياتي سيظل للفراق هيبته وقدرته علي قلب حياتي رأسا علي عقب وساظل غير قادرة علي عبور الحاجز بيني وبين تقبل وجوده!
No comments:
Post a Comment